العيش من القلب
أصدقاء وصديقات،
في هذا الشهر هناك ما يقرب من ٢ مليار مسلم يعيشون الأجواء الرمضانية، وقد وجدت أنني عدت في هذه المناسبة الكريمة إلى شعر ابن عربي. يُعرف محي الدين ابن عربي عند الصوفيين بالشيخ الأكبر أو الكبريت الأحمر – فهو من النوادر في الوقت الذي عاش وعلّم به. كان ولد في شهر رمضان عام ٥٨٨ هجرية أو ١١٦٤ميلادية حيث مسقط رأسه الأندلس. نعرفه كعالم روحاني، صوفي، شاعر وفيلسوف. لم يتم التعرف عن عدد الأعمال التي انتجها ابن عربي ولكن يُعتقد أن في جعبته ٣٥٠ عملاً على الأقل تملأ الآلاف من الصفحات باللغة العربية وكان ذلك أثناء إقامته في الأندلس، مكة، انطاليا ودمشق.
استخدم ابن عربي النسيب الا وهو فقدان الحبيب في شعره. وكان نظمه للشعر يقف على عامودين هما التسامح والحب ومن وجهة نظره هناك علاقة متوازية بين الإنسان والله. فابن عربي رأى الإنسان كمرآة جلّية ولكن ضبابية لله. كان قد كتب ابن عربي أن الإنسان يتقرب من الله من خلال بابي الحب والقلب بدلاً عن العقل وهكذا يستطيع كل العالم احتوائه:
لقد صار قلبي قابلاً كلّ صورة
فمرعىً لغزلانٍ وديرٌ لرهبان
إنّ شعر ابن عربي يجمع الكلمات مع الموسيقى والصور. فهو تجسير للماضي والحاضر، النفس والآخر، الله والإنسان، الحياة والموت، الحبيب والمحبوب وفي ذات الوقت يجدد ويجمع كل هذه المتناقضات. نجد ابن عربي كيف يحصد ويدرس ابن عربي حتى يصل إلى الحقيقة الذاتية ومن خلالها إلى الحقيقة الشاملة. وما يجدر ذكره هنا أنه بصرف النظر عن الميول الدينية أم لا، كلّنا نستطيع أن نثمّن رسالته عن التواصل مع كل الناس وكيف يمكننا أن نعيش حياتنا من القلب.
أثناء إحدى جولاتنا الصباحية مؤخراً، حدثتني صديقة عزيزة (وهي أيضاً مدرسة كونداليني يوغا ومعالجة نفسية متخصصة بالاستفسار الرؤوف) عن مدى تأثير المحيط الكهرومغناطيسي للقلب على الجسم، والعقل وخارجهما. ماذا فهم سلطان العارفين (إحدى ألقاب ابن عربي) عن القلب كل هذه القرون الماضية والتي تتكشف أمامنا تباعاً من الطب الحديث؟
أدين بدين الحب أنّي توجهت
ركائبه فالحبُّ ديني وإيماني
تلحظون أن حرف النون منتشر في القصيدة. إنه حرف قمري وشفوي وعندما يتكرر يخلق حالة من الطرب. الحروف الأبجدية العربية عند الصوفيين تبقى رموزاً بالمعنى الكوني وليست لغوية فقط. لذلك فإن تكرار الحروف حيث التأثير الساحر يعتبر فعلاً مقدساً من الترانيم ويتردد صداها في العالم الروحي. وهكذا يُذكرنا ابن عربي أن الشاعر هو وسيط بين عالم الغيب والعالم المنظور أيضاً:
كما طاف خيْر الرُّسْل بالكـعبة الـَّتـِي
يـَقُـولُ دلـيـلُ العـقـل فـيها بـنقصانِي
وقَـبَّــلَ أحجاراً بـهــا وهــو نـاطــقٌ
وأين مَـقام البـيـت مـن قدْر إنسانِ
فكم عـهِدتْ أن لا تـحُـول وأقسمت
وليـس لـمخـضوبٍ وفـاءٌ بإيمانِ
ومـن عـَجَـب الأشياءِ ظــبيٌ مـبـرقـعٌ
يُـشـيـرُ بعـنّـاب ويـومِـي بـأجـفـانِ
ومـرعــاهُ ما بـيـن التـرائـب والحـــشا
ويا عـجـباً من روضة وسط نيران
قصيدة تناوحت الأرواح من “ ترجمان الأشواق.“
إذا كنتم قد استمتعتم بقراءتها، أرحب بكم لمشاركتها مع أي شخص قد يرغب الانضمام إلينا.