مكامن اللغة
أصدقاء وصديقات،
لم أفكر كثيرًا باللغة التي كنت أكتب بها إلى أن عذت إلى الجامعة لدراسة الكتابة الإبداعية. لقد درست في طفولتي بمدارس بريطانية وأمريكية في الكويت وقبرص حيث كانت اللغة الإنجليزية لغة التدريس الأولى. ولكن كانت الأمور مختلفة في بيتنا حيث كان أبي وأمي يتحدثان معنا باللغة العربية فقط، وهذه الممارسة أبقت على إلتصاقنا بلغتنا وأبقتنا متجذرين في حب عميق لثقافتنا.
عندما كنت أعمل بجدٍّ أن أكون شاعرة وكاتبة، كنت قد ابتعدت عن مهنتي التي عملت بها لأعود إلى الجامعة وللحصول على شهادة جامعية أخرى وماجستير في الكتابة الإبداعية. أحببت العودة إلى البيئة الأكاديمية وأحببت أيضاً أنني تمكنت من دراسة مواد إبداعية. لقد جندت نفسي للمحاضرات بشغف وحماسة واتصلت مع شعراء وكتاب في عالم الكتابة وقد استمرت هذه العلاقات إلى يومنا هذا.
أثناء الدراسة الجامعية بدأ زملائي الطلبة يسألونني لماذا لم أكتب بلغتي الأم. كانت الإجابة سهلة بالنسبة لي: لقد نشأت على التعلم باللغة الإنجليزية، ولكني بمجرد أن بدأت التفكير بالسؤال بعمق، أيقنت أن السبب الحقيقي ليس بالبسيط. مع التبحر والتمعن، تكشف أمامي تاريخ كامل من الحقبة الاستعمارية وكيف أن اللغة أول شيء تسحقه القوى الاستعمارية.
ما بدأ كفكرة عابرة كانت تراودني من حين لآخر خلال دراستي الجامعية، تحولت إلى علامة فارقة لا يمكنني اغفالها: يجب أن أكتب باللغة العربية. ثم جمدت.
اللغة العربية العامية المحكية ليست كاللغة الفصحى المكتوبة بتركيباتها النحوية الدقيقة والجميلة. حيث يتسنى للغويين وخبراء قواعد اللغة قضاء جلّ وقتهم في استكشاف قواعدها واستثناءاتها.
بقيت في حالة تأمل وصراع لعدة سنوات. انتقلت من الكتابة بغزارة باللغة الإنجليزية والنشر في العديد من المجلات والفوز بجوائز إلى كتابة القليل والقليل جدًا. مررت بمعانات لغوية تحولت إلى أزمة وجود وهوية.
لكن حتى عندما كنت أخوض فيها كنت أعرف دائمًا كيف سيبدو الجانب الأخر من هذه المعاناة: سوف أستطيع الكتابة باللغة العربية بسلاسة. ولفترة طويلة شعرت بصعوبة كما لو كنت أتعلم لغة غير معروفة لي. عندها اتخذت خطوات صارمة. فتوقفت عن قراءة الأدب والشعر بأي لغة كانت سوى العربية. استمعت إلى مئات الساعات من القراءات على مواقع يوتيوب. عدت إلى البدايات، حيث درست مع أبي ثم مع مدرس خاص وعندما شعرت أنني استطعت أن أؤسس قاعدة صلبة انتقلت إلى دراسة قوافي الشعر العربي ببحوره وتقطيعاته.
ببطء وعلى مدى عدة سنوات، انفتح أمامي الباب الذي أغلق لفترة طويلة واستطعت أن أدخل عالمًا يمكنني فيه الاستمتاع بالقراءة باللغة العربية دون أن أشعر بالكلل.
يتحدثون الناس عن تنشيط خط القلب في راحة يدنا عندما نكتب باليد. أحب فكرة الاتصال المباشر غير الخاضع للرقابة من اليد إلى القلب. أطبع دوماً عندما أكتب باللغة الإنجليزية بينما أكتب أولا بيدي باللغة العربية.
من العقل إلى القلب إلى راحة اليد، يا ليتنا نجد جميعًا لغتنا الحقة ونعيش في أجواء يمكننا أن نحلق بها.
كل أشجار الأَرز على هذه الشرفة
الثلج يهطل داخل اَغادير
لبطيخِ، متدحرج تحت السرير
ليبردوا كروشهم الدافئة بتراخٍ
تتواجد كل الملكات الشرسات في تاريخنا
القلعة العتيقة، أبواب محفورة محددة
بناؤو السفن، مصنعو الصابون
نافخو الزجاجِ، حائلو البسط
كل السلاسل من الشمال الى الجنوب
ساحرين من رغوة البحر
مسرعين الى وريقات زعتر
فوق طبقة حزورة من سماوات
ممتدة يقوتية زرقاء
نقوش الكتاب، رسول تحت صخرة
سلالم حلزونية
بيوت متعانقة على حافة أتلال
نرد محشور بإحكام على طاولة زهر
كل أشعة الشمس مستلقية
في بساتين خوخِ، حكايات محاكة
على طول أيامنا هناك
إنها لغة الأُم، لغة الرحم
الشرفة ربى ابوغيدا
إذا كنتم قد استمتعتم بقراءتها، أرحب بكم لمشاركتها مع أي شخص قد يرغب الانضمام إلينا.